هو زوج من نوع خاص، يستمتع بأن تنفق زوجته حتى آخر مليم فى يدها، ويرحب بأن تدفع الزوجة ثمن دعوة على العشاء، ولا يجد حرجاً فى أن تقوم أيضاً بدفع مصاريف الأبناء وإيجار الشقة وفواتير الكهرباء، ولا مانع أيضاً لو تولت مصروف البيت بأكمله.
نوعية جديدة من الرجال قرروا أن يلقوا بالمسئولية عن عاتقهم وأن يكونوا سلعة غالية الثمن، تظل الزوجة تدفع ثمنها طوال العمر، لأن شعارهم -الحياة تعاون- والتعاون فى نظرهم أن يظلوا بين زوجاتهم وأهلها ليعملوا معاً على توفير حياة مريحة لهم، ولكن لابد أن يأتى يوم وتندم فيه الزوجة على نصيبها فى الحياة معه وتتمنى أن يمر ولو شهر واحد فقط تتحرر فيه من التزامات البيت ومصاريفه، مجرد أمنيات، وسيأتى السأم والملل لدور الزوج الذى لا يتعدى سوى العيش على راتب الهانم، وأمنيات توحى بالضيق السلبى الصامت الذى لا يتعدى التنهد، وربما الغضب المكتوم.
والسؤال هنا: ما الذى يجعل المرأة تتحمل فوق طاقتها لتلتزم بتوفير إحتياجات منزلها وأولادها دون أدنى مشاركة من هذا الزوج ولو مشاركة ضئيلة لا تذكر ولو لحفظ ماء الوجه؟. تساؤلات كثيرة تثيرها هذه الظاهرة الغريبة التى أصبحت تنتشر فى كثير من البيوت، ظاهرة الرجل الذى يعيش على حساب زوجته، سواء كان يعمل أو لا يعمل، أو لأنه يريد أن يعيش بمستوى أعلى من إمكانياته، أو لأنه شخص أنانى ضعيف لا يريد أن يتحمل حتى مسئولية نفسه فى مقابل المرأة التي أصبحت تقوم بكل الأدوار دور الزوجة، والأم، والأب!.
ومن أهم الدراسات التى أجريت حول هذا الموضوع وهذه الظاهرة الدراسة التي قامت بها د. سامية الساعاتى أستاذة علم الاجتماع والتى تدور حول رغبة الشباب فى أن تساهم زوجة المستقبل فى تحمل أعباء الحياة المادية، وجدت الدراسة أن 92% من أفراد العينة يرون ضرورة مشاركة زوجات المستقبل بما أن الحياة تعاون بين الزوجين، خاصة فى بداية الحياة الزوجية، أما الـ8% الباقية فقد رفضوا مشاركة الزوجة بدخلها مبررين رفضهم بأن عمل المرأة وتحملها مسئوليات مادية يفقدانها إحساسها بأنوثتها.
ويقول د. عادل مدني أستاذ الطب النفسي بكلية الطب جامعة الأزهر عن بعض الأسباب وراء هذا الدلع الرجالي: في مجتمعاتنا الشرقية نؤمن تماما بفكرة تقسيم الأدوار وقيام الزوج بالإنفاق على أسرته، لكن أحياناً تنقلب الأوضاع سواء برغبة الزوجة أو عدم رغبتها، فهناك أسباب تتعلق بالزوجة نفسها، كأن تقدم أسرة الفتاة تسهيلات وتنازلات مادية مبالغ فيها للعريس المتقدم، لأن البنت كبرت وفاتها قطار الجواز، وبالتالى فإن العريس أصبح له قيمة فى حد ذاته بغض النظر عن صفاته وقدراته على تحقيق حياة كريمة للابنة، أو لأن العريس له مستقبل مشرق لكنه لا يزال فى بداية الطريق، فتكون نتيجة هذه التنازلات المادية أحياناً أن يطمع العريس ويستمر فى هذه اللعبة حتى تصبح هى الوظيفة التى يعتمد عليها، ويعتبر نفسه على درجة زوج البنت وهى وظيفة تخضع لكل قواعد الوظيفة العادية، أى أنها بدخل ثابت تدفعه الزوجة أو أهلها، بالإضافة للحوافز والعلاوات التشجيعية كلما أتقن الزوج مهام وظيفته وأسعد زوجته، ولم يصل للإدارة العائلية أى شكوي منه.
وفى أحيان أخرى تريد المرأة أن تحقق مكانة معينة تشعر بأنها محرومة منها فى المجتمع، فتحاول أن تقوم بدور ربة البيت، وهنا يكون الإنفاق على البيت سعادة وغاية لها، وتكتفى بأن تقوم بدور الزوجة أمام المجتمع والناس.
وقد يكون مستوى الزوجة الإقتصادى أعلى من مستوى الزوج فتحاول تعويض هذا الفارق بشراء أشياء كثيرة للبيت حتى تعيش فى المستوى الذى تعودت عليه، وهذا الأمر لا يسبب لها مشكلة، فعلى الرغم من أن الزوجة يجب أن تعيش تبعاً لدخل زوجها إلا أن بعض المساعدة منها ومن أهلها لا يسبب مشكلة إذا حاولت الزوجة ألا تجرح شعور زوجها أو تشعره بالفارق بينهما، وعلى الجانب الآخر يجب ألا تسلبه حق الشعور برجولته وقوامته وإنفاقه على البيت، وألا تعوده على الإتكال عليها حتى لا يعتاد على هذا الوضع.
وفى معظم الأحيان تكون الظروف الإقتصادية هى السبب وراء إعتماد الرجل على زوجته. ففى طبقات الحرفيين تنتشر كثيراً البطالة المؤقتة لأن الحرفى غالباً لا يعمل بإنتظام، فتضطر الزوجة فى هذه الحالة إلى أن تعمل لتعويض عدم إنتظام دخل الزوج، والمشكلة الحقيقية هنا أن الزوج قد يستمرئ هذا الوضع ويتعود عليه، بل ويستمتع به، ويعلق سعيه الجاد لإيجاد فرصة عمل على شماعة الظروف السيئة للمجتمع وعدم وجود فرص عمل، فتتحول البطالة المؤقتة إلى بطالة دائمة، ويصبح فى هذه الحالة راتب الزوجة هو الدخل الوحيد للأسرة. والمرأة نتيجة تنشئتها على فكرة -ضل راجل ولا ضل حيطة- تقبل هذا الوضع كى لا تتسبب فى خراب بيتها حسب المفاهيم الإجتماعية السائدة.
وترى د. زينب شاهين أستاذة علم الإجتماع بجامعة عين شمس أن ظروف الحياة أصبحت صعبة للغاية مما يقتضى التعاون بين الزوجين، ولكن هذا التعاون له شروط، أولها أن يكون برضاء من الزوجة وليس بقهرها، وثانياً أن تكون مشاركة الزوجة بنسبة فقط من راتبها ومتفق عليها بينها وبين زوجها، وبما يسمح لها أن تستمتع بثمرة جهدها وعملها.
ويؤكد د. محمود عاشور أستاذ الشريعة ووكيل جامعة الأزهر الأسبق أن الشرع يبين أن للمرأة الحق الكامل فى راتبها، وأن على الرجل التكفل بمنزله وأسرته. وتبين الآية الكريمة {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34] دور الرجل في الإنفاق.
ونضيف علي ذلك أن الإسلام أمر الناس جميعاً ذكوراً وإناثاً أن يتعاونوا علي البر والتقوى. فالزواج شراكة بين شخصين، يتقاسم فيه الطرفان مسؤولياتهما وواجباتهما. فليس من العدل، فى حال عمل كلا الزوجين، أن يتحمل أحدهما نفقات الأطفال والمنزل بمفرده، أو يتحمل أحدهما تربية الأبناء والآخر يتحمل مسئولية المصروفات، حيث يجب المشاركة فى جميع أنشطة الأسرة من خلال صيغة منطقية يتفق عليها الطرفان، وعموماً فتعاون الزوجة مع زوجها فى شئون وأعباء الحياة عامل رئيسى ومهم فى إستقرار الحياة الأسرية ونشر السعادة والسرور بين أفراد الأسرة بما يحقق السكن والمودة والرحمة بينهم جميعاً.
الكاتب: نورا عبدالحليم.
المصدر: جريدة الأهرام اليومي.